وقال آخر :
( لقد لامني عند القبور على البكا ... رفيقي لتذراف الدموع السوافك )
( فقال : أتبكي كل قبر رأيته ... لقبر ثوى بين اللوى فالدكادك )
( فقلت له : إن الأسى يبعث الأسى ... دعنى فهذا كله قبر مالك )
وقوله : { وابيضت عيناه من الحزن } أي من كثرة البكاء { فهو كظيم } أي مكظم من كثرة حزنه وأسفه وشوقه إلى يوسف
فلما رأى بنوه ما يقاسيه من الوجد وألم الفراق { قالوا } له على وجه الرحمة والرأفة والحرص عليه : { تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين }
يقولون : لا تزال تتذكره حتى ينحل جسدك وتضعف قوتك فلو رفقت بنفسك كان أولى بك
{ قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون } يقول لبنيه : لست أشكو إليكم ولا إلى أحد من الناس ما أنا فيه إنما أشكوه إلى الله عز وجل وأعلم أن الله سيجعل لي مما أنا فيه فرجا ومخرجا وأعلم أن رؤيا يوسف لا بد أن تقع ولا بد أن أسجد له أنا وأنتم حسب ما رأى ولهذا قال : { وأعلم من الله ما لا تعلمون }
ثم قال لهم محرضا على تطلب يوسف وأخيه وأن يبحثوا عن أمرهما : { يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لاييأس من روح الله إلا القوم الكافرون } أي لا تيأسوا من الفرج بعد الشدة فإنه لا ييأس من روح الله وفرجه وما يقدره من المخرج في المضايق إلا القوم الكافرون
* * *
{ فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين * قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون * قالوا أئنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين * قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين * قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين * اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأتي بصيرا وأتوني بأهلكم أجمعين }
يخبر تعالى عن رجوع إخوة يوسف إليه وقدومهم عليه ورغبتهم فيها لديه من الميرة والصدقة عليهم برد أخيهم بنيامين إليهم : { فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر } أي من الجدب وضيق الحال وكثرة العيال { وجئنا ببضاعة مزجاة } أي ضعيفة لا يقبل مثلها منا إلا أن تتجاوز عنا قيل كانت دراهم رديئة وقيل قليلة وقيل حب الصنوبر وحب البطم ونحو ذلك وعن ابن عباس : كانت خلق الغرائر والحبال ونحو ذلك
{ فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين } قيل بقولها قاله السدي وقيل برد أخينا إلينا قال ابن جريج وقال سفيان بن عيينة : إنما حرمت الصدقة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ونزع بهذه الآية رواه ابن جرير
فلما رأى ما هم فيه من الحال وما جاءوا به مما لم يبق عندهم سواه من ضعيف المال تعرف إليهم وعطف عليهم قائلا لهم عن أمر ربه وربهم وقد حسر عن جبينه الشريف وما يحويه من الحال الذي يعرفون فيه : { هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون }
{ قالوا } وتعجبوا كل العجب وقد ترددوا إليه مرارا عديدة وهم لا يعرفون أنه هو { أئنك لأنت يوسف } ؟
{ قال أنا يوسف وهذا أخي } يعنى أنا يوسف الذي صنعتم معه ما صنعتم وسلف من أمركم فيه ما فرطتم وقوله { وهذا أخي } تأكيد لما قال وتنبيه على ما كانوا أضمروا لهما من الحسد وعملوا في أمرهما من الإحتيال ولهذا قال : { قد من الله علينا } أي بإحسانه إلينا وصدقته علينا وإيوائه لنا وشده معاقد عزنا وذلك بما أسلفنا من طاعة ربنا وصبرنا على ما كان منكم وطاعتنا وبرنا لأبينا ومحبته الشديدة لنا وشفقته علينا { إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين }
{ قالوا تالله لقد آثرك الله علينا } أي فضلك وأعطاك ما لم يعطنا { وإن كنا لخاطئين } أي فيما أسدينا إليك وها نحن بين يديك { قال لا تثريب عليكم اليوم } أي لست أعاتبكم على ما كان منكم بعد يومكم هذا ثم زادهم على ذلك فقال : { يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين } ومن زعم أن الوقف على قوله : { لا تثريب عليكم } وابتدأ بقوله : { اليوم يغفر الله لكم } فقوله ضعيف والصحيح الأول
ثم أمرهم بأن يذهبوا بقميصه وهو الذي يلى جسده فيضعوه على عيني أبيه فإنه يرجع إليه بصره بعد ما كان ذهب بإذن الله وهذا من خوارق العادات ودلائل النبوات وأكبر المعجزات
ثم أمرهم أن يتحملوا بأهلهم أجمعين إلى ديار مصر إلى الخير والدعة وجمع الشمل بعد الفرقة على أكمل الوجوه وأعلى الأمور
{ ولما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون * قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم * فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون * قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين * قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم }
قال عبد الرزاق : أنبأنا إسرائيل عن أبي سنان عن عبد الله بن أبي الهذيل سمعت ابن عباس يقول : { ولما فصلت العير } قال : لما خرجت العير هاجت ريح فجاءت يعقوب بريح قميص يوسف فقال : { إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون } قال : فوجد ريحه من مسيرة ثلاثة أيام وكذا رواه الثوري وشعبة وغيرهم عن أبي سنان به
وقال الحسن البصري وابن جريج المكي : كان بينهما مسيرة ثمانين فرسخا وكان له منذ فارقه ثمانون سنة
وقوله : { لولا أن تفندون } أي تقولون إنما قلت هذا من الفند وهو الخرف وكبر السن
قال ابن عباس وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة { تفندون } تسفهون وقال مجاهد أيضا والحسن : تهرمون
{ قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم } قال قتادة والسدي : قالوا له كلمة غليظة
قال الله تعالى : { فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا } أي بمجرد ما جاء ألقى القميص على وجه يعقوب فرجع من فوره بصيرا بعد ما كان ضريرا وقال لبنيه عند ذلك : { ألم أقل لكم إني أعلم من الله مالا تعلمون } أي أعلم أن الله سيجمع شملي بيوسف وسيقر عيني به وسيريني فيه ومنه ما يسرني
فمنذ ذلك : { قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين } طلبوا منه أن يستغفر لهم لله عز وجل عما كانوا فعلوا ونالوا منه ومن ابنه وما كانوا عزموا عليه ولما كان من نيتهم التوبة قبل الفعل وفقهم الله للاستغفار عند وقوع ذلك منهم فأجابهم أبوهم إلى ما سألوا وما عليه عولوا قائلا : { سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم }
قال ابن مسعود وإبراهيم التيمي وعمرو بن قيس وابن جريج وغيرهم : أرجأهم إلى وقت السحر قال ابن جرير : حدثني أبو السائب : حدثنا ابن إدريس قال : سمعت عبد الرحمن بن إسحاق يذكر عن محارب بن دثار قال : كان عمر يأتي المسجد فسمع إنسانا يقول : " اللهم دعوتني فأجبت وأمرتني فأطعت وهذا السحر فاغفر لي " قال : فاستمع إلى الصوت فإذا هو من دار عبد الله بن مسعود فسأل عبد الله عن ذلك فقال : إن يعقوب أخر بنيه إلى السحر بقوله : { سوف أستغفر لكم ربي } وقد قال تعالى : { والمستغفرين بالأسحار }
وثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : [ ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا فيقول : هل من تائب فأتوب عليه هل من سائل فأعطيه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ] ؟ وقد ورد في حديث : [ أن يعقوب أرجأ بنيه إلى ليلة الجمعة ]
قال ابن جرير : حدثني المثني قال : حدثنا سليمان بن عبد الرحمن أبو أيوب الدمشقي حدثنا الوليد أنبأنا ابن جريج عن عطاء وعكرمة عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : { سوف أستغفر لكم ربي } يقول : [ حتى ليلة الجمعة وهو قول أخي يعقوب لبنيه ]
وهذا غريب من هذا الوجه وفي رفعه نظر والأشبه أن يكون موقوفا على ابن عباس رضي الله عنهما
* * *
{ فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين * ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم * رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين }
هذا إخبار عن حال اجتماع المتحابين بعد الفرقة الطويلة التي قيل : إنها ثمانون سنة ! وقيل : ثلاث وثمانون سنة وهما روايتان عن الحسن وقيل : خمس وثلاثون سنة قاله قتادة وقال محمد بن إسحاق : ذكروا أنه غاب عنه ثماني عشرة سنة قال : وأهل الكتاب يزعمون أنه غاب عنه أربعين سنة
وظاهر سياق القصة يرشد إلى تحديد المدة تقريبا فإن المرأة راودته وهو شاب ابن سبع عشرة سنة فيما قاله غير واحد فامتنع فكان في السجن بضع سنين وهي سبع عند عكرمة وغيره ثم أخرج فكانت سنوات الخصب السبع ثم لما أمحل الناس في السبع البواقي جاء إخوته يتمارون في السنة الأولي وحدهم وفي الثانية ومعهم أخوه بنيامين وفي الثالثة تعرف إليهم وأمرهم بإحضار أهليهم أجمعين فجاءوا كلهم
{ فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه } واجتمع بهما خصوصا وحدهما دون إخوته { وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين } قيل هذا من المقدم والمؤخر تقديره قال : ادخلوا مصر وآوي إليه أبويه وضعفه ابن جرير وهو معذور وقيل : بل تلقاهما وآواهما في منزل الخيام ثم لما اقتربوا من باب مصر { ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين } قاله السدي ولو قيل : إن الأمر لا يحتاج إلى هذا أيضا
وعند أهل الكتاب : أن يعقوب لما وصل إلى أرض جاشر - وهي أرض بلبيس - خرج يوسف لتلقيه وكان يعقوب قد بعث ابنه يهوذا بين يديه مبشرا بقدومه وعندهم أن الملك أطلق لهم أرض جاشر يكونون فيها ويقيمون بها بنعمهم ومواشيهم وقد ذكر جماعة من المفسرين أنه لما أزف قدوم نبي الله يعقوب - وهو إسرائيل - أراد يوسف أن يخرج لتلقيه فركب معه الملك وجنوده خدمة ليوسف وتعظيما لنبي الله " إسرائيل " وأنه دعا للملك وأن الله رفع عن أهل مصر بقية سني الجدب ببركة قدومه إليهم فالله أعلم
وكان جملة من قدم مع يعقوب من بنيه وأولادهم - فيما قاله أبو إسحاق السبيعي عن أبي عبيدة عن ابن مسعود - ثلاثة وستين إنسانا
وقال موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب عن عبد الله بن شداد : كانوا ثلاثة وثمانين إنسانا
وقال أبو إسحاق عن مسروق : دخلو وهم ثلاثمائة وتسعون إنسانا
قالوا : وخرجوا مع موسى وهم أزيد من ستمائة ألف مقاتل وفي نص أهل الكتاب : أنهم كانوا سبعين نفسا وسموهم
* * *
قال الله تعالى : { ورفع أبويه على العرش } قيل : كانت أمه قد ماتت كما هو عند علماء التوراة وقال بعض المفسرين : أحياها الله تعالى وقال آخرون : بل كانت خالته " ليا " والخالة بمنزلة الأم
وقال ابن جرير وآخرون : بل ظاهر القرآن يقتضي بقاء حياة أمه إلى يومئذ فلا يعول على نقل أهل الكتاب فيما خالفه وهذا قوي والله أعلم
ورفعهما على العرش أي أجلسهما معه على سريره : { وخروا له سجدا } أي سجد له الأبوان والإخوة الأحد عشر تعظيما وتكريما وكان هذا مشروعا لهم ولم يزل ذلك معمولا به في سائر الشرائع حتى حرم في ملتنا
{ وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل } أي هذا تعبير ماكنت قصصته عليك : من رؤيتي الأحد عشر كوكبا والشمس والقمر حين رأيتهم لي ساجدين و أمرتني بكتمانها ووعدتني ما وعدتني عند ذلك { قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن } أي بعد الهم والضيق جعلني حاكما نافذ الكلمة في الديار المصرية حيث شئت { وجاء بكم من البدو } أي البادية وكانوا يسكنون أرض العربات من بلاد الخيل { من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي } أي فيما كان منهم من الأمر الذي تقدم وسبق ذكره
ثم قال : { إن ربي لطيف لما يشاء } أي إذا أراد شيئا هيأ أسبابه ويسرها وسهلها وجوه لا يهتدي إليها العباد بل يقدرها ويسرها بلطيف صنعه وعظيم قدرته أي بجميع { إنه هو العليم } بالأمور { الحكيم } في خلقه وشرعه وقدره
وعند أهل الكتاب : أن يوسف باع أهل مصر وغيرهم من الطعام الذي كان تحت يده بأموالهم كلها من الذهب والفضة والعقار والأثاث وما يملكونه كله حتى باعهم بأنفسهم فصاروا أرقاء ثم أطلق لهم أرضهم وأعتق رقابهم على أن يعملوا ويكون خمس ما يستغلون من زروعهم وثمارهم للملك فصارت سنة أهل مصر بعده
وحكى الثعليب : أنه كان لايشبع في تلك السنين حتى لاينسى الجيعان وأنه إنما كان يأكل أكلة واحدة نصف النهار قال : فمن ثم اقتدى به الملوك في ذلك قلت : وقد كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لايشبع بطنه عام الرمادة حتى ذهب الجدب وأتى الخصب
قال الشافعي : قال رجل من الأعراب لعمر بعدما ذهب عام الرمادة : لقد انجلت عنك وإنك لابن حرة !
ثم لما رأى يوسف عليه السلام نعمته قد تمت وشمله قد اجتمع وعرف أن هذه الدار لا يقر بها قرار وأن كل شيء فيها ومن عليها فان وما بعد التمام إلا النقصان فنعد ذلك أثنى على ربه بما هو أهله واعترف له بعظيم إحسانه وفضله وسأل منه - وهو خير المسئولين - أن يتوفاه أي حين يتوفاه على الإسلام وأن يلحقه بعباده الصالحين وهكذا كما يقال في الدعاء : " اللهم أحينا مسلمين وتوفنا مسلمين " أي حين تتوفانا
ويحتمل أنه سأل ذلك عند احتضاره عليه السلام كما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عند احتضاره أن يرفع روحه إلى الملأ الأعلى و الرفقاء الصالحين من النبيين والمرسلين كما قال : " اللهم في الرفيق الأعلى ثلاثا " ثم قضى
ويحتمل أن يوسف عليه السلام سأل الوفاء على الإسلام منجزا في صحة بدنه وسلامته أن ذلك كان سائغا في ملتهم وشرعتهم كما روي عن ابن عباس أنه قال : ما تمنى نبي قط الموت قبل يوسف
فأما في شريعتنا فقد نهى عن الدعاء بالموت إلا عند الفتن كما في حديث معاذ في الدعاء الذي رواه أحمد : [ وإذا أردت بقوم فتنة فتوفنا إليك غير مفتونين ] وفي الحديث الآخر : [ ابن آدم الموت خير لك من الفتنة ] وقالت مريم عليها السلام : { ياليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا } وتمنى الموت علي بن أبي طالب لما تفاقمت الأمور وعظمت الفتن واشتد القتال وكثر القيل والقال وتمنى ذلك البخاري أبو عبد الله صاحب الصحيح لما اشتد عليه الحال ولقي من مخالفيه الأهوال
فأما في حال الرفاهية فقد روى البخاري و مسلم في صحيحهما من حديث أنس بن مالك : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ لايتمنين أحدكم الموت لضر نزل به إما محسنا فلعله يزداد وإما مسيئا فلعله يستعتب ولكن ليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي ] والمراد بالضر هاهنا : ما يخص العبد في بدنه من مرض ونحوه لا في دينه
والظاهر أن نبي الله يوسف عليه السلام سأل ذلك إما عند احتضاره أو إذا كان ذلك أن يكون كذلك
وقد ذكر ابن إسحاق عن أهل الكتاب : أن يعقوب أقام بديار مصر عند يوسف سبع عشرة سنة ثم توفي عليه السلام وكان قد أوصى إلى يوسف عليه السلام أن يدفن عند أبويه إبراهيم وإسحاق قال السدي : فصبره وسيره إلى بلاد الشام فدفنه بالمغارة عند أبيه إسحاق وجده الخليل عليه السلام
وعند أهل الكتاب : أن عمر يعقوب يوم دخل مصر مائة وثلاثون سنة وعندهم أنه أقام بأرض مصر سبع عشرة سنة ومع هذا قالوا : فكان جميع عمره مائة وأربعين سنة
هدا نص كتابهم وهو غلط : أما في النسخة أو منهم أو قد أسقطوا الكسر وليس بعادتهم فيما هو أكثر من هذا فكيف يستعملون الطريقة ها هنا
وقد قال تعالى في كتابه العزيز : { أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون }
يوصي بنيه بالإخلاص وهو دين الإسلام الذي بعث الله به الأنبياء عليهم السلام
وقد ذكر أهل الكتاب : أن أوصى بنيه واحدا واحدا وأخبرهم بما يكون من أمرهم وبشر يهوذا بخروج نبي عظيم من نسله تطيعه الشعوب وهو عيسى ابن مريم والله أعلم
وذكروا : أنه لما مات يعقوب بكي عليه أهل مصر سبعين يوما وأمر يوسف الأطباء فطيبوه بطيب ومكث فيه أربعين يوما ثم استأذن يوسف ملك مصر في الخروج مع أبيه ليدفنه عند أهله فأذن له وخرج معه أكابر مصر وشيوخها فلما وصلوا حبرون ودفنوه في المغارة التي كان اشتراها إبراهيم الخليل من عفرون بن صخر الحيثي وعملوا له عزاء سبعة أيام
قالوا : ثم رجعوا إلى بلادهم وعزى إخوة يوسف يوسف في أبيهم وترققوا له فأكرمهم وأحسن منقلبهم فأقاموا ببلاد مصر
ثم حضرت يوسف عليه السلام الوفاة فأوصى أن يحمل معهم إذا خرجوا من مصر فيدفن عند آبائه فحنطوه ووضعوه في تابوت فكان بمصر حتى أخرجه معه موسى عليه السلام فدفنه عند آبائه كما سيأتي قالوا : فمات وهو ابن مائة سنة وعشر سنين
هذا نصهم وفيما رأيته وفيما حكاه ابن جرير أيضا وقال مبارك ابن فضالة عن الحسن : ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة وغاب عن أبيه ثمانين سنة وعاش بعد ذلك ثلاثا وعشرين سنة ومات وهو ابن مائة وعشرين سنة وقال غيره : أوصى إلى أخيه يهوذا صلوات الله عليه وسلامه
* * *
قصص الأنبياء [ جزء 1 - صفحة 256 ]
المفضلات